الكُرد وحلم الدولة : بين القمع والاحتوى نحو مستقبل مجهول

بقلم : لؤي الكمالي

في جغرافيا ممزقة بالصراعات والتحالفات المتغيرة، يبرز الكُرد [*] كشعبٍ عريق يمتد جذوره في عمق التاريخ حاله حال الشعب الفلسطيني، لكنه لا يزال حتى اليوم يفتقر إلى دولةٍ تمثله. أكثر من ثلاثين مليون كردي ينتشرون بين تركيا وإيران والعراق وسوريا، يحملون حلماً مؤجلاً بدولة مستقلة، حلم اصطدم مراراً بجدران الجغرافيا السياسية والمصالح الإقليمية والدولية. وبينما يواصل الكُرد نضالهم للحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية، تتعامل الدول التي تضمهم بطرق متباينة، تتراوح بين القمع والاحتواء، مما يجعل قضيتهم واحدة من أعقد القضايا العالقة في الشرق الأوسط.
وفي تحول مفاجئ وتاريخي، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) في مايو 2025 حلّ نفسه رسميًا، منهياً عقوداً من الصراع المسلح ضد الدولة التركية. جاء القرار استجابة لنداءات زعيمه المعتقل عبدالله أوجلان، في محاولة لفتح صفحة جديدة من العمل السياسي السلمي. وقد رحبت أطراف إقليمية عدة بالقرار، معتبرة إياه خطوة جريئة نحو تهدئة النزاع الكردي-التركي الممتد منذ أكثر من أربعة عقود.
هذه الخطوة تفتح تساؤلات عميقة حول مستقبل الحركة القومية الكردية في تركيا، وإمكانية انتقالها من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي بعد 41 عاماً من التضحيات والصمود، جسّدوا أعظم نموذج لشعب يناضل من أجل حريته وكرامته، متمسكًا بهويته القومية، وملهمًا لكل الشعوب التواقة للحرية، كما تضع اختباراً حقيقياً أمام الدولة التركية لاحتواء تطلعات الكُرد سلمياً، بدلًا من قمعها أمنياً.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل هذا التحول المفاجئ يقتصر تأثيره على الداخل التركي فحسب، بل يحمل أصداءً واسعة في المشهد الكردي الإقليمي، لاسيما في سورية والعراق وإيران، حيث ترتبط حركات كردية أخرى فكريًا أو سياسيًا بالحزب أو تستلهم من تجربته.
أو هل يضمن لهم حقوقهم في الحفاظ على قوميتهم وتراثهم الثقافي.
حافظ الكُرد على لغتهم وموروثهم الثقافي، في وجه محاولات الطمس، بل تحوّلت الأغنية والشعر والزي الفلكلوري إلى رموز للمقاومة والهوية، خاصة في المجتمعات التي يُمنع فيها استخدام اللغة الكردية علنًا، وبرزت المرأة الكردية كرمز نضالي ملهم.
في ظل هذا التحول التاريخي، يظل الأمل قائمًا في أن يتمكن الكُرد من استغلال هذه الفرصة نحو السلام والكرامة. ورغم التحديات المستمرة، يبقى السؤال الأبرز هل ستنجح تركيا في احتواء تطلعات الكُرد سلميًا، أم ستستمر القضية في صراعها الطويل؟